الصيام بين الروح و الجسد
ها نحن نعيش أيام شهر رمضان الكريم لهذا العام، والذي هو شهر الإمتناع عن الطعام والشراب وغيرهما من المفطرات التي تُخرِج الإنسان من السمو الروحي و التجلّي، حيث يكون ذلك الإمتناع بين بزوغ الفجر إلى غروب الشمس. وشهر رمضان هو كريم لما فيه من عطايا روحيّة معنيّة بالتأمل والتبصّر، ذلك التبصّر الذي ينبثق من روح كل إنسان ليكون له مردود روحي وتوازن نفسي، شريطة عدم إنشغالنا بما يفسد ذلك المردود بحاجات و رغبات الجسد الماديّة.
ها نحن نعيش أيام شهر رمضان الكريم لهذا
العام، والذي هو شهر الإمتناع عن الطعام والشراب وغيرهما من المفطرات التي تُخرِج
الإنسان من السمو الروحي و التجلّي، حيث يكون ذلك الإمتناع بين بزوغ الفجر إلى
غروب الشمس. وشهر رمضان هو كريم لما فيه من عطايا روحيّة معنيّة بالتأمل والتبصّر،
ذلك التبصّر الذي ينبثق من روح كل إنسان ليكون له مردود روحي وتوازن نفسي، شريطة
عدم إنشغالنا بما يفسد ذلك المردود بحاجات و رغبات الجسد الماديّة. ورغم أننا قد نشأنا
على ترديد ذلك التعريف الروحي للصيام في عقولنا و تكراره في أحاديثنا، إلاّ أننا
مازلنا نعيش ونطبّق الصيام الجسدي دون الصيام الروحي ... ذلك دون أن ندرك!. فالصيام
الجسدي هو الامتناع عن المفطرات المرتبطة بالحاجة واللذة الحسيّة التي اعتدنا
عليها طيلة 11 شهر من السنة وبطريقة "مفرطة" غير متوازنة، مما يؤدّي إلى
حالة ضغط نفسي عصبي عندما نمتنع عن تلك المفطرات في شهر الصيام الوحيد في السنة!
وكيف لا ونحن نعيش انفعالات وتعب جسدي وخمول أثناء ساعات الصيام، حيث نوحى لأنفسنا
أنها حالة طبيعيّة بحجة أمتناعنا عن المأكل والمشرب وكأن الإنسان معني بآلة الجسد
فقط!، وفي نفس الوقت نصبّر أنفسنا بمكافأة الإفطار من مائدة عامرة بما لذّ وطاب،
وكأنه شهر الظهور والتنافس في فن الطهي وصنع المقبّلات والحلويّات وما إلى ذلك من
قوائم الطعام الموقوتة بالدهون والسعرات! وكأننا نعيش ألم الجوع مقابل التطلّع إلى
شهوة الطعام و لذته، لنعبّأ بطوننا عندما يحين موعد الإفطار، و نستعد بعد ذلك ليوم
آخَر لنكرر دورة الجوع و الشبع من جديد! كل ذلك دون أن ندرك!.
ولكن مهلا ... أليس شهر رمضان هو شهر روحاني،
شهر العبادة والتجلّي؟ والتجّلي هو بحد ذاته عمق الإدراك، بل هو قمة الوعي
الإنساني. فأغلبنا يرتبط صيامه بممارسة الشعائر الدينية من الصلاة وقراءة القرآن
الكريم والتسبيح والتهليل، حيث تهدأ النفس بممارسة تلك الشعائر المقدّسة. و لكن مما
يجعل تلك الشعائر ترتبط بشكل وثيق بالروحانية الذي هو التجلي السامي المتوازن الذي
يقربنا بل ويربطنا بالخالق عزّ و جل، هو إدراكنا لأرواحنا أولا، أي هوياّتنا و
التي تتمثّل بالرسائل التي خلقنا لأجل تفعيلها على الأرض، تلك الرسالة الكامنة
التي دخلت قلب كل منا خلال تكويننا الجنيني في أرحام أمهاتنا، و منذ ذلك الوقت، كمنت
تلك الرسالة في قلوبنا و التي جاءت على هيئة الروح التي تحقق بها نبض حياتنا
الجنينيّة، فأصبحت ضمنيّة و ضامنة لتفعيل
حياتنا بعد اكتمال تكويننا الجسدي و خروجنا إلى عالم تحقيق تلك الرسالة بسعينا
المستمر بين التحدي و الإنجاز، الذي بهما يكون توازن ذواتنا، و بهما يكون التوازن
في نظرتنا للأشخاص المحيطين بنا و استقبالنا لما يدور حولنا من أحداث و أخبار بل و
تعاطينا و قراراتنا في شؤون حياتنا، "فهناك دائما تحدّي في كل دعم، و دعم في
كل تحدّي"، و لكن علينا أن نفتح قلوبنا و نسمح لعقولنا لإدراك ذلك، حتى نحيى
في مشاعر الحياة السامية المتمثّلة بالحب الغير مشروط و التسامح و الامتنان.
"إننا حين نمارس رسالتنا في الحياة أي قيمتنا العليا نكون قد فعّلنا قيمة
حياتنا"، وبهذا نحيى في التجلّي والتأمّل من خلال رسائل تعميرنا التي هي
العقد المبرم مع الخالق عز و جل لتعمير الأرض، لأننا بتلك الممارسة نصبح في موجات
الدماغ المسمّاة بألفا و التي هي موجات التأمل و الخيال المبتكر، بل موجات الشفاء
من الأمراض المزمنة بعودة توازن عمل أعضاء الجسم و البيئة المحيطة بالخلايا، و
بهذا نكون في امتلاء روحي عميق و تفكّر و تبصّر ... هنا يكون الصيام روحي حيث
يقترن بممارسة الشعائر الدينيّة فتهدأ النفس و تستكين، و هنا فقط يتحقق الاعتدال
في صيام الجسد و رغبته في الطعام و الشراب، دعوده إلى التأمل في شهر رمضان الكريم،
و تقبّل الله صيامكم و قيامكم...