الحب الواعي في زمن الكورونا
في ممارسة الحب الحقيقي الذي هو القيمة العليا الضمنية، يكون هناك توازن منطلق من ذات الإنسان، ذلك الحب نابع من إدراك الإنسان لرسالته ودوره على الأرض، وليس طوعا للجسد الذي يهرب من الألم باحثا عن الماديات والشهوات، فمن منطلق الحب الواعي للذات يحب الإنسان من حوله بوعي، ...
تداول الشعراء والأدباء الحديث عن الحب وحكاياته
وأغنياته، ثم اكتشفت البشرية بعد ذلك أن هؤلاء الكتّاب قد نسوا حب النفس والبشرية
جمعاء بما في ذلك من يشكّل العدو بالنسبة لهم. فظهرت بعد ذلك موجة مدرّبين تطوير
الذات، ليقدّموا ما يعالج نمط التعاطي مع النفس والعلاقات والحياة بوجه عام، أي
بالحب ولكن برؤية جديدة. وبين هذا وذلك، ما هي حقيقة الحب الذي تناولوه هؤلاء، وهل
هو بالفعل يطوّر الذات، وهل السعادة التي يصبو إليها كل إنسان هي بالفعل منطوية في
هذا الحب الذي تحدّثوا عنه؟
علميا، الإنسان يحب من حوله عندما يحب حياته، وحياته
تعني ذاته، وحب الإنسان لذاته ينبع من إبداعاته التي لا تتحقق إلاّ عندما يمارس ما
يحب ويعشق، لأنه بهذه الممارسة يحيي بين التحدّي والإنجاز، فيكون هناك قبول للتحدي
وامتلاء بالإنجاز، حيث يكون هناك افراز لهرمون الإبينفرين للتنبيه والاستثارة في
التحدي والتنافس الداخلي، وبالمقابل ينفرز الدوبامين في مساره في الدماغ الذي يمر
على مراكز المتعة الفكرية، لأن ذلك العمل مرتبط بالإلهام الداخلي للإنسان و ليس
الخارجي بالتحفير المادي لممارسة عمل لا يحبه.
في ممارسة الحب الحقيقي الذي هو القيمة العليا الضمنية،
يكون هناك توازن منطلق من ذات الإنسان، ذلك الحب نابع من إدراك الإنسان لرسالته
ودوره على الأرض، وليس طوعا للجسد الذي يهرب من الألم باحثا عن الماديات والشهوات،
فمن منطلق الحب الواعي للذات يحب الإنسان من حوله بوعي، ويكون أيضا هناك توازن في
ذلك الحب. الآن ونحن عاكفين في بيوتنا، توجد فرصة كبيرة لنكتشف حبنا الحقيقي وندرك
ذواتنا، ونبدأ بوضع خارطة طريق للوصول لهدف واضح بممارسته. هنا نعود إلى من تحدّث
بالحب لنسأله، هل حققت إبداع وابتكار من خلال ما تمارسه من عمل؟ هل أنت في توازن
بعيد عن الانفعال والتوتر والقلق؟ هل أنت في صحة مستدامة وخالي من المرض والعلل؟
هل أنت في شباب متجدد وجسد حر الحركة وعضلات تحتفل بميلاد الأفكار الجديدة
باستمرار؟ هل أنت سعيد بما تقدم لنفسك والعالم أجمع من أثر صالح؟ إذا كانت الإجابة
بنعم على كل ما سبق، فأنت إذن تمارس القيمة العليا الذاتية وبتفكير نابع من اتساق
القلب والدماغ، أي الفؤاد والعقل. هنا سوف تدرك أنه سيكون لديك رؤية حقيقية لما
تقدم وستحب حياتك أكثر ومن حولك. أما بالنسبة للحب الذي عناه السابقين فهو التعلّق
ليس إلا، هو افراز للدوبامين في مساره الذي يمر على مراكز اللذة الحسية المؤقتة في
الدماغ، هو مشاعر داعمة للبقاء الجسدي وليس الحياة الباعثة على المشاعر السامية
بالحب الموصلة إلى الخلاص والنعيم، تلك هي الروحانية التي هي الحب الغير مشروط
الذي يتحدث عنه الجميع، هنا فقط تكون عابد لله عز وجل لأنه الله الخالق للكون،
دعوة إلى التأمل في الذات...