النقلة النوعية في الدوبامين

article image

يسود الاعتقاد أنّ الدوبامين هو هرمون المتعة، حيث أن هناك الكثير من الأطعمة والممارسات البشرية الباعثة على البقاء، والتي تثير إفراز الدوبامين للإحساس بالاسترخاء واللذة الجسدية. ولكن ما هي الحقيقة العلمية للدوبامين؟

الدكتورة ندى أحمد الحساوي

30-أكتوبر-2020

يسود الاعتقاد أنّ الدوبامين هو هرمون المتعة، حيث أن هناك الكثير من الأطعمة والممارسات البشرية الباعثة على البقاء، والتي تثير إفراز الدوبامين للإحساس بالاسترخاء واللذة الجسدية. ولكن ما هي الحقيقة العلمية للدوبامين؟

منذ سنوات، قام العالمان "مورتن كرينجلباش" و "كينت بيريدج" بحقن أدمغة جرذان بمادة محفّزة لإفراز كمية كبيرة من الدوبامين، فكانت النتيجة أنّ هؤلاء الجرذان اندفعوا بشكل أكبر للحصول على الطعام السكّري، مقارنة بأقرانهم الذين لم يتم حقن أدمغتهم بنفس المادة، رغم أن شعور تلك المجموعة الأولى من الجرذان بلذة ذلك الطعام السكّري، لم يختلف عنه عند اقرانهم من المجموعة الثانية، وقد كان ذلك الشعور بلذة الطعام عند هؤلاء الجرذان يرصد بإيماءات وجوههم، والتي هي بحد ذاتها نفس الإيماءات التي يعبر بها أطفالنا الصغار عن مذاق الطعام. وعند حقن أدمغة مجموعة أخرى من الجرذان بمادة تؤدّي إلى تدنّي كبير في إفراز مادة الدوبامين، حدث العكس، حيث انعدمت لديهم الرغبة للحصول على نفس الطعام السكّري حتى أوشكوا على الهلاك، ولكن عند إطعامهم بوضع ذلك الطعام في أفواههم، عبّروا عن لذة الطعم السكّري، مما يجعلنا نستنتج من هذه التجربة الواضحة أن الدوبامين الذي هو في الحقيقة ناقل عصبي وليس هرمونا، مرتبط بالرغبة دون اللذة أو المتعة. وبين هذا وذاك، فإن دوبامين الرغبة قد ينفرز في مسار دماغي مرتبط باللذة الحسية، أو قد ينفرز في مسار دماغي آخر مرتبط بالمتعة الفكرية، وما علينا سوى الاختيار. فالمسار الحسي يكون بمرور الدوبامين على نقاط تسمى نقاط اللذة الحسية التي بدورها تفرز مواد كيميائية (شبيهه بالمواد المخدّرة)، تلك النقاط هي المسؤولة عن تضخيم الشعور بلذة الطعام السكّري، مما يحفّز تناول المزيد من السكريات، والإدمان عليها مع مرور الوقت، حالها حال المخدّرات والمسكّرات وغيرها من المواد والسلوكيات التي يتعوّد عليها البشر للخروج من دائرة التوتّر والاكتئاب، فيكون بقاء الإنسان بين التوتر والإدمان سلسلة لا تنتهي، لأنه في حالة اللاوعي في قيمته الكونيّة. أما عندما يكون إفراز الدوبامين في مسار المتعة الفكرية، فإنه يكون بمرور الدوبامين بمناطق القشرة الجبهية في الدماغ المرتبطة بالشعور بالإنجاز الحقيقي و الامتلاء الروحي، و ليس الإشباع المادي المؤقّت كما في مسار اللذة الحسية، ذلك لأن الإنسان يكون قد انطلق فيما يعشق عمله بالتحدّي و الإنجاز بلا قيود، التي هي في الحقيقة قيود عقلية ليس إلاّ، فتكون ممارسة ذلك العشق الذي هو القيمة العليا للإنسان بهدف واضح مقرون بالحياة الواعية، التي تنبثق عن اتساق القلب الذي هو مكمن القيمة العليا لذلك الإنسان، و الجزء الأمامي من الدماغ المناط باستقبال الأفكار المرتبطة بالقيمة العليا، لتفعيل الخيال و تجسيد تلك الأفكار في العالم المادي، هنا فقط يرتفع اللاوعي الحسي الجسدي إلى الوعي الفكري الروحي. فعندما يرتبط افراز الدوبامين من مسار اللذة الحسية الى المتعة الفكرية تحدث النقلة النوعية، أي النقلة النوعية من البقاء إلى الحياة، دعوة إلى التأمّل في الذات ...

اضافة تعليق

: