شيفرة الخلاص
عندما قدم العالم الفيزيائي ألبرت أينشتاين للعالم معادلته الشهيرة: E = mc2، أي أنّ الطاقة = الكتلة X مربع سرعة الضوء، كان بهذا أول من وضّح علاقة الطاقة بالمادة بشكل رياضي، حيث أنّ تلك المعادلة تعني أن المادة المنطلقة بسرعة هي مربع سرعة الضوء تجتاز السقف المادي لتعود إلى الأصل الذي هو الطاقة التي ظهرت على شكل تلك المادة ...
عندما قدم
العالم الفيزيائي ألبرت أينشتاين للعالم معادلته الشهيرة: E = mc2، أي أنّ الطاقة = الكتلة X
مربع سرعة الضوء، كان بهذا أول من وضّح علاقة الطاقة بالمادة بشكل رياضي، حيث أنّ
تلك المعادلة تعني أن المادة المنطلقة بسرعة هي مربع سرعة الضوء تجتاز السقف
المادي لتعود إلى الأصل الذي هو الطاقة التي ظهرت على شكل تلك المادة، وكأن سرعة
الضوء هو الحد الفاصل لذلك الاجتياز من عالم المادة المرئي إلى حقل الطاقة
المعلوماتي الا مرئي، والذي يطلق عليه "الفيزياء الكمية". أي أنّ في دخول
طاقة معلومات مادة ما إلى حيّز التجسيد المادي تكثّيف تدريجي تلك الطاقة لتظهر في
النهاية، على شكل مادة وفق المعلومات الخاصة بها، وعلى نظم وقوانين الطبيعة
الكامنة أيضا في الحقل المعلوماتي الكوني.
ولكن ما هي
تلك المادة التي نحن في صدد الحديث عنها، وما علاقة تلك المادة بقانون أينشتاين وبالخلاص
الذي تحدث عنه الفكر الإنساني القديم والحديث؟
تلك المادة هي
ما يجسده خيال الإنسان المعمّر عندما يكتشف دوره في تعمير الأرض، أقول
"يكتشف" أي دور ضمني وليس اختياري، ذلك الاكتشاف يكون عن طريق الانتباه
لما يحيط به من أشياء ولما يجلب اهتمامه دون اكراه أو تصنّع، وبعد هذا عليه أن
يدير عقله ليكون ذلك العقل خادما أمينا وقرينا مطيعا من أجل تفعيل ذلك الدور
المعني بخلق ذلك الإنسان، أي القيمة العليا الذاتية الغير مشروطة برضا الآخرين. بممارسة
القيمة العليا يحيي الإنسان بين التحدي والإنجاز، فيكون متوازنا في الطاقة، وبالتالي
يكون متوازيا شعوريا أو انفعاليا. و بالنسبة لسرعة الضوء التي ذكرناها أعلاه، بما
أن السرعة هي حاصل قسمة المسافة على الزمن، و التي هي للضوء 299,792,458متر في ثانية واحدة، يكاد يكون هناك لا زمن بالنسبة لتلك المسافة العالية جدا، و
حيث أن ذلك الا زمن يكون عنده الإنسان في حالة تجلّي و انطلاق و إبداع في قيمته
العليا الذاتية، لأنه يكون محلّقا في عالم الطاقة و حقل المعلومات المفتوح، يلتقط
ذلك الإنسان أحد تلك المعلومات أو الأفكار المقرونة بقيمته العليا، فيحيي بخيال و
رؤية مستقبلية واضحة مركّزة، ذلك للتجسيد المادي لعمل مخلّد صالح لخدمة البشرية. فمثلا،
التقط ستيف جوبز بعشقه للحاسوب الآلي فكرة الأيفون من الحقل الطاقي ليتكثف في صورته
الحالية النافعة للبشرية أجمع، فشكرا لروحه التي خلدت ذلك الأثر.
إنّ ما يركّز
عليه معظم البشر في حياتهم اليومية من أشياء وأشخاص وأماكن، إنما يستهلكون فيه كل
طاقتهم وهم لا يشعرون! حيث تكرار مشاهد وخبرات الماضي، مما يحفّز مشاعر مؤلمة من
شعور بدور الضحيّة والخذلان، و الخزي و العار، و الذنب و الغضب و الخوف، و التحكم
و السلطة، فتضيع طاقاتهم و أيامهم هباء في تلك المشاعر التي فيها استنفار يثير
افراز هرمونات "الكر و الفر"، تلك الهرمونات التي بالأصل تهدف إلى بقاء
الجسد و حمايته من خطر محدق (كالأسد أو الثعبان)، فيصبح الكر و الفر مقرونا بالإدمان
على مشاعر الألم، التي يفنى فيها عمر ذلك الإنسان التي تخلو من الإنجاز و ترك
الأثر الصالح. و لكن عندما يفعّل الإنسان ما يحيى لأجله، فإنّه يجتاز تلك المشاعر
المادية المدمّرة إلى المشاعر السامية المرتبطة بالحياة والنماء و التطوّر، تلك
المشاعر تكون تحقيقا للسلام المفعّل للإنسانية من امتنان، و حب واعي، و حرية
روحية، و النعيم المتجلي بالعطاء و الجمال، و الخلاص من الألم و المعاناة و المرض،
ذلك الاجتياز للمشاعر المادية ينطلق نحو النعيم و التكامل، الذي يتحقق فقط باتساق
القلب الذي هو مكمن القيمة العليا بالفص الأمامي من الدماغ، الذي يكوّن الروابط
العصبية للعقل الجديد، المربوط بخير و نماء و صحة ذلك الإنسان، و بهذا تكون القيمة
العليا هي الشفرة الربانية الرحيمة، دعوة إلى التأمّل في الذات...