إبينفرين التوتر مقابل دوبامين الرشوة
من المعتاد
عليه على مستوى البشرية جمعاء أن يقترن التوتّر والقلق اليومي الناتج عن الأفكار
السلبية المتسلّطة، بالهروب التلقائي إلى اللذة المؤقّتة، والتي لا يوشك بعدها أن
يبدأ التوتّر في اليوم التالي من جديد، وهكذا دواليك. ولأنه من المعتاد عليه كما
ذكرنا أعلاه، أصبح ذلك وضع طبيعي لا نعيش فيه فقط، بل ونورّثه للأجيال وننشّئ عليه
أبناءنا الأعزاء، بدافع إمّا أن يكون التخلّص من ألم تنشئتهم فنرغّبهم باللذة، أو
برغبة منا أن ينفّذوا ما نريده نحن منهم وكأننا قد خفقنا في تحقيق أهدافنا، ونريد
أبناءنا أن يصنعوا ما عجزنا عن تنفيذه، وكأنهم نحن، و نحن هم ... طبعا من حكم
الجينات!
لتبسيط
المراد من هذا السياق هو أنه، عندما كنا نلعب صغارا، كان اللعب بالنسبة لنا قيمة
نمارسها بأشكال متعددة، وقد يكون لنا لعبة مفضّلة نلعبها كل يوم ونستمتع بها، ونسعد
برفقة صديق مفضّل لنا لأنه يشاركنا في هذه اللعبة. وقد يأتي أحد الوالدين أو ولاة
الأمر ليطلب منا القيام بعمل أو مهمّة بالنيابة عنهم، هي بحد ذاتها ليست محببة
بالنسبة لنا أو بالأحرى ليست بأولوية ما نحن منشغلين به من لعب ومرح وقيمة بالنسبة
لنا، فنشعر بالانزعاج والتوتر وعدم مطاوعة أجسادنا بأن نخرج من اللعب الممتع إلى
العمل المزعج، فيقوم ولي الأمر برشوتنا لنقوم بما يريد منا إنجازه إما بإعطائنا
مبلغ من المال، أو بإعطائنا وعد بالذهاب إلى الملاهي أو شراء بوظة أو سكاكر أو ما
نحب من شيكولاتة!
فلنتوقف هنا ونأخذ
ذلك الحدث على محمل الجدية وبشكل علمي، لأن بالعلم ينكشف ستار الجهل، فالذي يحدث
بالضبط هو عند التنشئة بهذه الصورة مرارا وتكرارا، تصبح تلك التنشئة من الألم مقابل
اللذة جزء لا يتجزأ من برنامجنا العقلي، والذي بلا شك لا نلوم عليه التنشئة أطلاقا.
فنحن عندما كنا نلعب كان اللعب بالنسبة لنا
قيمة أو عمل نمارسه بحب و استمتاع و اكتشاف لإبداعنا، و عندما كنا
ننزعج بالقيام بما لا نحب فإن دماغنا يستجيب لهذا الشعور المزعج بإفراز هرمون
الإبينفرين من الغدّتين الكظريتين، ذلك الهرمون المعبّر عن الألم، و الذي قد يظهر
على شكل دموع، هذا بالإضافة إلى تأثيرات ذلك الهرمون من زيادة نبضات القلب و معدل
التنفس و نزول المناعة نسبيا، و ما إلى ذلك من التأثيرات المطلوبة لفعل "الكر
و الفر"، و كذلك الانفعالات التي نخشى أن نظهرها من غضب، و خوف و شعور بالذنب
إذا ما رفضنا الانصياع، و ما يترتب على حالة عدم الانصياع! وعندما يعرض ولي الأمر
رشوته المفضّلة و التي عوّدنا عليها (و التي قد تكون نفس الرشوة التي اعتاد عليها
عندما كان طفلا)، فإن الدماغ يجد في ذلك اللذّة بالقيام بذلك العمل، ذلك عن طريق إفراز
الدوبامين (الذي هو مادة الرغبة) في مسار يمر على مراكز اللذة الحسيّة في الدماغ،
فتشعرنا بالتحفيز للقيام بذلك العمل، بدل الإلهام بما كان نبدع فيه من لعب و
اكتشاف. ذلك ما جبلنا عليه في التنشئة و ما نقوم به في حياتنا بشكل مكرّر من غير
أن ندري، بما في ذلك من بعد عن ما نبدع فيه، و انشغالنا بما يجلب لنا هرمون التوتر
الذي تخمد ألمه أدمغتنا في كل مرة بالرشوة أو اللذة المؤقتة. وذلك ما يحدث الآن
عندما نجبر أبناءنا الاعزاء على الصيام، والدراسة، والمهنة، والزواج، وغير ذلك مما
برمجنا عليه بلا لوم. لنعي ذلك ولنبادر إلى المكافأة والإهداء بعد قيامهم بما
يحبّون وبطريقتهم هم، بدل الرشوة بالقيام بما نريد نحن منهم، فليصوموا بحب و ليدرسوا
ويعملوا بما يحبون و ليتزوجوا بمن يريدون هم، هم من لهم القرار، لأنها حياتهم هم
لا حياتنا نحن، دعوة إلى التأمل في الذات.